إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء
فضائل رمضان

فضائل رمضان

14 مارس 2024

من رحمة الله تعالى وفضله ومَنّه على عباده ان جعل لهم مواسم للطاعات يُضاعَفَ بها الثواب وتُفَتّح بها أبواب الجِنان. وفي صدر هذه المواسم وأعظمها وأجلها شهر رمضان المبارك، الذي جعل الله تعالى صومه ركن من أركان الإسلام. والصوم في اللغة الإمساك عن الشيء وتركه والابتعاد عنه، واصطلاحا هو إمساك المسلم عن الأكل والشرب والنكاح وغيرها من سائر المفطرات منذ طلوع الفجر الصادق (الأذان لصلاة الفجر) وحتى غروب الشمس (الأذان لصلاة المغرب). وأفضل أيام يصومها العبد هي أيام شهر رمضان المبارك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ" (رواه مسلم). وعبادة الصيام لم تختص بها أمة محمد، فقد فُرِضَ الصيام على أمم الأنبياء السابقين مما يدل على أهميته ومكانته عند الله، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 183).

ولشهر رمضان المبارك فضائل عظيمة منها:

أنه الشهر الذي أُنزِلَ فيه القرآن الكريم هدى للعباد وتبياناً للحق، قال الله تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ" (البقرة: 185).

وهو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتُغل فيه مردة الشياطين، قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ" (متفق عليه).

والشهر الذي فيه أعظم ليلة في السنة، الليلة التي أُنزل فيها القرآن، والتي يكون العمل فيها أكثر ثوابا وأعظم أجراً من عمل ألف شهر، ليلة القدر التي وصفها تعالى بكتابه العزيز بقوله سبحانه: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿1﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿2﴾ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴿3﴾ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴿4﴾ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴿5﴾" (سورة القدر).

وهو شهر العتق من النار، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ" (رواه الألباني).

وشهر المغفرة والرحمة، قال صلى الله عليه وسلم: "مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ.." (متفق عليه).

وأداء العُمرَة في رمضان تَعدِلُ حَجَة، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: "لَما رَجَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن حَجَّتِهِ قالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الأنْصَارِيَّةِ: ما مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟ قالَتْ: أبو فُلَانٍ - تَعْنِي زَوْجَهَا - كانَ له نَاضِحَانِ، حَجَّ علَى أحَدِهِمَا، والآخَرُ يَسْقِي أرْضًا لَنَا. قالَ: فإنَّ عُمْرَةً في رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً - أوْ حَجَّةً مَعِي" (رواه البخاري). -

وللصيام عموما فضائل كثيرة، وهي في رمضان المبارك أكد وأثبت، ومن هذه الفضائل:

أن الله عز وجل تولى أجر الصوم بنفسه، ولم يكله إلى ملائكته، مما يدل على عِظَمِ ثواب الصائم، لأن الله تعالى إذا تولى شيئاً بنفسه دلَّ على عِظَمِ ثوابه، فثواب الصوم لا يحصيه إلا الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به.." (رواه مسلم).

والصوم فرحة لصاحبه يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "..لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ" (رواه مسلم).

ويعين على غض البصر والعفاف، فعن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ" (رواه البخاري).

والصوم سبباً من أسباب استجابة الدعاء، قال عليه الصلاة والسلام: "ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم الصَّائمُ حتَّى يُفطرَ والإمامُ العادلُ ودعوةُ المظلومِ يرفعُها اللهُ فوق الغمامِ وتُفتَّحُ لها أبوابَ السَّماءِ ويقولُ الرَّبُّ وعزَّتي لأنصُرنَّك ولو بعد حينٍ" (رواه الترمذي).

ويشفع لصاحبه يوم القيامة، لقوله عليه الصلاة والسلام: "الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ، يقولُ الصيامُ: أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه، فيَشْفَعانِ" (رواه أحمد).

ومن عظيم قدر الصيام ومكانته عند الله أن اختص سبحانه الصائمين المتممين صوم الفرض والمكثرين من صيام النفل، بباب في الجنة يقال له الريان، قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ" (رواه البخاري).

والصوم أحد كفارات الانشغال بالأهل والمال عن الطاعات والعبادات، والتقصير في أمر الدين وحقوق الأهل والجيران، فعن حذيفة بن اليمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ ومالِهِ، ونَفْسِهِ ووَلَدِهِ، وجارِهِ؛ يُكَفِّرُها الصِّيامُ والصَّلاةُ والصَّدَقَةُ، والأمْرُ بالمَعروفِ والنَّهْىُ عَنِ المُنْكَرِ.." (رواه مسلم).

ينبغي على المسلم أن يستحضر حقيقة حياة الدنيا الفانية الزائلة، فهي لا تخرج عن كونها دار اختبار وابتلاء، فاز وأفلح من جد واجتهد بالعمل فيها لآخرته، وخاب وخسر من غرته وألهته عن حياته الأبدية، وعلى المسلم ان يستذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام في أهمية شغل الوقت الثمين المحدود في هذه الدنيا في الاستعداد للآخرة، فلا يعلم الإنسان حاله ولا ما يقضى له في الغد. فعن عبدالله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ" (رواه الألباني).

كتبه: مصعب العوضي

إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء